الاب الدكتور نبيل مونس
قال بيلاطس ليسوع: ما هو الحق؟ هل يوجد فعلا على الأرض حق؟ وأين هو؟ من يضمنه؟.
الحق الحق اقول لكم أن الحق كان عند لمس ايديه، وضعه هو بكلمة منه تحت الجلد بسياط من رؤوس حديدية فتمزق الجلد ونزف الدم لكن العظم لم ينكسر، صلب ثم مات ودفن لكنه قام في اليوم الثالث.
سمع بذلك بيلاطس فلم يهتد، سقط بيلاطس وانقلب وجه الحكم في العالم كله، والحق الذي بيسوع وهو يسوع ذاته لم يسقط، لأنه الحق من الحق. ليس لأن له اتباع ورجال. قال يسوع بكل هدوء وبالرغم من التهديد والألم” مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا”.
منذ ذلك الحين. منذ ذلك الحوار في أورشليم والإنسان يقع في خدع المخادع فيقتل اخاه من اجل حق وبدون حق باسم الحق وغير الحق والحق واحد صامد في المسيح يسوع الصارخ من اعلى قمة العطاء والفداء والباذل واقربها للحق الالهي من على الصليب الى اليوم: ” انا الطريق والحق والحياة” (إنجيل يوحنا ١٤/ ٦).
البطريرك القديس يوحنا مارون- (٦٢٨ – ٧٠٢)
بكل ما تحمل الكلمة من معنى انه البطريرك المؤسس. اختاره الله من صغره لحمل هذه الرسالة في شرقنا الذي أخذ يعاني الأمريّن من الخارج مع الفتح الإسلامي وغيره ومن الداخل مع تجارب وتجاذب الحضارات وتداعياتها اللاهوتية والفلسفية حول شخصية المسيح ووجوده.
فبين أنطاكية والقسطنطينية، أورشليم والاسكندرية وبين الغرب والشرق وقف البطريرك الأول للموارنة معلما قائدا في عالم الروح والحق معاركا راهبا مارونيا أي لا يهاب الموت ولا السيف والمخاض وفخاخ العدو الأكبر لأن المسيح قام حقا قام (إنجيل لوقا
٢٤/ ٣٤)، بالقيادة الإنجيلية، أي بالخدمة والتضحية قاد القطيع الصغير إلى ميناء الامان في جبل لبنان. بالعلم والثقافة أضاء لهم الطريق الصحيح النبيل. وثبتهم بالقداسة على الصخرة البطرسية إلى اليوم. فكلما ضل ضمير أو اغتر عقل يرسل لهم الرب الاله صوتا صارخا بالقداسة والقوة المسيحانية يعيد الخروف الضال إلى أهل بيت الوداعة والرحمة والسلام الى بيت مارون.
البطريرك اسطفان الدويهي المكرم ( ١٦٣٠- ١٧٠٤)
توقف ايها الصديق القارئ المؤمن وألقي نظرة موثقة مدققة في تواريخ البطريركين، انك تلاحظ القرب والبعد في آن معا. الف عام تمر والنهج والوجه يستمر، انه الروح السيدي المقدس يعبر من بطريرك قديس إلى بطاركة شهداء ومن ثم قديسين وعلماء، الروح واحد ، الكتاب واحد والمعلم واحد، والأهم أنه حق ولا يعلو عليه حق لأنه اله حق من اله حق.
منذ نعومة أظافره في قرية أهدن اللبنانية انطلق هذا الطفل اليتيم يبحر في العالم وفي علومه. منذ طفولته حمل هموم الشرق المتخبط في هويات إسلامية متقلبة بالسيف انتقل إلى الغرب الباحث عن آفاق جديدة للبشرية والإنسانية. من الجبل اللبناني وصل إلى روما قلب الحضارات العالمية الأوروبية المسيحية التي خلقتها من رحم المعاناة والاستشهاد، الأعجوبة ولدت من تحت انياب الأسود.
هذا الكلام ينطبق على كل حياة البطريرك. لقد صارع التحديات كلها. الموت والمرض والغربة والقدر والوحدة والاضطهاد حتى آخر لحظة من حياته. تاريخنا حفظه وقدسه. تاريخ الشرق العربي والإسلامي ضبطه وفسره. انه مؤرخ الهوية ولاهوتها وفيلسوفها. اظهر هويتنا الروحية في كتابه منارة الاقداس، اعادنا إلى الحقيقة المؤسسة لوجودنا، الهوية، البيان المبين، القداسة وينابيعها. إِنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ فَتَتَقَدَّسُونَ وَتَكُونُونَ قِدِّيسِينَ (لا 11: 44).
* خادم إرسالية القديس شربل